الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
إن نصرت دينه نصرك، كنت أدعو وأقول: اللهم انصرنا على أنفسنا حتى ننتصر لك، حتى نستحق أن تنصرنا على أعدائنا: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ ذكره لك غير ذكرك له.
أي أن الله سبحانه وتعالى حينما تذكره يذكرك، أما إذا ذكرته فقد أديت واجب العبودية، لكنه إذا ذكرك منحك الأمن، والأمن لا يتمتع به إلا المؤمن.
منحك الحكمة.
منحك الرضا، منحك السكينة التي تسعد بها ولو فقدت كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء.
[ صحيح البخاري ]
بمعنى أن الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له، وأحد لا ندّ له، كيف يُحبّ الوتر؟ أي يحب أن تكون متفوقاً، النبي عليه الصلاة والسلام طلب النخبة، طلب التفوق،
(( عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ، أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَكَانَ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ عُمَرُ. ))
لما أسلم حمزة توقف إيذاء قريش لرسول الله وأصحابه، ولما أسلم عمر صلى المسلمون في بيت الله الحرام، إذاً المطلوب أن تكون متفوقاً، لا أن تكون رقماً سهلاً، ملايين مملينة أتوا إلى الدنيا، وتزوجوا، وأنجبوا أولاداً، وماتوا، ولم يعلم بهم أحد، لكن القلة القليلة في العالم الذين تفوقوا، وتركوا أثراً كبيراً في مجتمعاتهم، أي للتقريب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام واحد، جاء إلى هذه الدنيا، وغادرها بعد ثلاثة وستين عاماً، وعمّ الهدى الأرض، ألم تسأل نفسك مرة: ماذا فعلت؟ ما الأثر الذي تركته في الدنيا؟ هل كنت في قلوب الناس؟
﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120)﴾
فالله عز وجل ينتظرك أن تكون متفوقاً، أن تكون رقماً صعباً، والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يُظهره الله، أو أهلك دونه.
بعض صفات الله أعطاها للمخلوق:
يوجد تفوق، الله عز وجل لا شريك له، وأحد لا ند له، وقد أعطاك بعض صفاته، كيف؟ لكرامتك عنده أعطاك بعض صفاته، الله عز وجل فرد واحد أحد، فرد صمد، أعطاك بعض الخصائص التي تتميز بها عن كل الخلق، لك قُزحية عين لا تشبه قزحية عينك قزحية عين إنسان آخر في الأرض، الآن تؤخذ في بعض المطارات صورة قزحية العين، وتوضع على الجواز، ولا يمكن لهذا الجواز أن يُزَوّر إطلاقاً، فالقزحية أعطتك صفة الفردية، ونبرة الصوت تنفرد بها، ورائحة الجلد تنفرد بها، وبصمة الإصبع تنفرد بها، والزمرة النسيجية تنفرد بها، وبلازما الدم تنفرد به، والنطفة تنفرد بها.
في أحدث بحث أن نطفة الإنسان يتميز بها من بين كل البشر، وأن المرأة تحفظ هذه النطفة، تحفظ رمزها، وما دامت تأتي تِباعاً إلى الرحم فالوضع طبيعي وسليم، أما إذا تعددت هذه النطف في مجيئها إلى المرأة فهناك خطر ينتظرها، لكن متى يمكن أن تستقبل نطفة أخرى؟ بعد انقطاع الأولى أربعة أشهر، هذا موضوع سمعته في مؤتمر إسلامي في القاهرة.
لذلك الله عز وجل واحد أحد، فرد صمد، أعطاك هذه الصفة، الله عز وجل مريد، وأنت جعلك مريداً، جعلك مُخيّراً، قال تعالى:
﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾
﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾
الله عز وجل مبدع عن طريق الجينات سمح لك أن تُبدع، هناك نباتات مُقزّمة توضع في أصيص، الشجرة عملاقة يمكن أن تُقزّم وتوضع في أصيص، هناك نباتات هجينة، هناك وردة سوداء، عن طريق الجينات سمح لك أن تُبدع، وعن طريق النص الظني سمح لك أن تجتهد، سمح لك أن تكون فرداً، وأن تكون مُرِيداً، وأن تكون مُبدعاً، وأن تكون مُشرِّعاً، هذا ما يفهمه بعض العلماء من قول النبي الكريم:
(( إنَّ اللهَ خلق آدمَ على صورتِهِ. ))
[ متواتر: ابن تيمية: بيان تلبيس الجهمية ]
على الإنسان ألا يكون مع الملايين التي غفلت عن الله:
((وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ)) ، ولك أن تقول وَتر ووِتر، كلاهما جائز، عند الترمذي من حديث عَلِيٍّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
(( إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ، فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ. ))
لا تكن إنساناً عادياً من الملايين المملينة، لا تكن إنساناً من الهمج الرعاع، سيدنا علي رضي الله عنه يقول: يا بني الناس ثلاثة؛ عالم رباني، ومستمع على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق، فاحذر يا كميل أن تكون منهم.
لا تكن مع هذه الملايين المملينة التي شردت عن الله، لا تكن مع الملايين المملينة التي عبدت شهوتها من دون الله، لا تكن مع الملايين المملينة التي عاشت لتأكل، لا تكن مع الملايين المملينة التي جعلت شهوتها إلهها،
(( عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ. ))
لا تكن مع الملايين المملينة التي غفلت عن الله، لا تكن مع الملايين المملينة التي عاشت لحظتها، ولم تذكر ماذا بعد الموت، لا تكن مع الملايين المملينة التي عبدت المال من دون الله، ((وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ)) .
معنى الوتر:
لكن في اللغة الوِتر هو الفرد، أو ما لم يتشفع من العدد، سبعة عدد وتر، أما سبعة وعشرون عدد شفع، والتواتر هو التتابع.
﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)﴾
الوَتر آدم، والشفع شُفِع بزوجته أصبحوا اثنين، الوَتر هو الله، لأنه واحد لا شريك له، وندّ لا مثيل له، واحد لا شريك له، وأحد لا مثيل له.
الله وتر والمخلوقات شفعٌ:
الشفع جميع الخلق، الإله واحد والخلق كثيرون، ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ .
﴿ وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3)﴾
البشر خُلقوا أزواجاً، خُلقوا شفعاً، أي أنت في أصل تركيبك مفتقر إلى زوجة، والأنثى في أصل تركيبها مفتقرة إلى الزوج، إذاً شأن العباد أن يكونوا شفعاً، وشأن الله أن يكون وتراً، الله واحد، والخلق كثُرٌ، أي الله عز وجل حينما قال:
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)﴾
لماذا يسكن الزوجة لزوجته؟ بل لماذا تسكن الزوجة لزوجها؟ أي تميل إليه، ويميل إليها، من أنجح أنواع الزواج ما كان كل طرف قرّةَ عينٍ للطرف الآخر، يسكن إليها، لأنه يكمل بها نقصه، وتسكن إليه لأنها تُكَمّل به نقصها، هي تُكَمّل به نقصها القيادي، هو يُكَمّل بها نقصه العاطفي: ﴿لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ .
كن مع القِلّة المتفوِّقة بالطاعة:
الله عز وجل وَتر، لكن يُحب الوتر، يُحب التفوق، النبي تفوق، أيعقل أن يُقسِم الله عز وجل بعمر النبي؟! قال تعالى:
﴿ لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (72)﴾
كم شاباً في الأرض في القارات الخمس، لو كان بخلوة مع امرأة بارعة الجمال، ودَعته إلى نفسها، بل أجبرته، كم شاباً يتأبى؟ سيدنا يوسف:
﴿ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)﴾
أي سيدنا يوسف تفوّق، أي الأكثرية يرونها مغنماً كبيراً، بينما المؤمن يراها بُعداً عن الله عز وجل، ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾ أي كأنما النبي عليه الصلاة والسلام حينما يقول: ((وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ)) كن مع القلة المتفوقة، كن مع القلة التي عرفت ربها، كن مع القلة التي أعطت ربها كل ما عندها.
﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾
كن مع القلة التي تركت أثراً في الحياة، مرة سألت طلاباً: من يذكر لي اسم تاجرٍ عاش في دمشق عام ألف وثمانمئة وسبعة وستين وله علامة تامة؟ ما أحد عرف، قلت لهم: وأنا أيضاً لا أعرف، لكن من منا لا يذكر سيدنا عمر؟ سيدنا خالدًا؟ هؤلاء العِظام الذين تركوا بصمات واضحة في الأرض، كن مع القلة المتفوقة، كن مع الذين أحدثوا في الحياة أثراً كبيراً، كن مع الذين عاشوا في قلوب الملايين، ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ فلذلك الإنسان شأنه الشفع، شأنه أن يكون مع واحد آخر، الحد الأدنى الزواج، الإنسان لا يستقر إلا إذا تزوج، والفتاة لا تنجح في حياتها إلا إذا خُطبت وتزوجت، هذا شأن الخلق، لكن شأن الحق أنه واحد أحد، فرد صمد.
﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3)﴾
﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3)﴾
الإنسان مطبوعٌ على الاجتماع:
أيها الإخوة؛ الآن الله عز وجل مكنك من اختصاص، من حرفة، من قدرة، من مهارة، وأحاجك إلى مليون حاجة، أنت بحاجة إلى طبيب، بحاجة إلى معلم يُعلِّم أولادك، بحاجة إلى خياط يخيط لك ثيابك، بحاجة إلى خباز يخبز لك الخبز، بحاجة إلى فلاح يفلح لك الأرض، بحاجة إلى من يصنع لك الأدوات، أنت بحاجة إلى من يصنع لك الأثاث، تتقن حاجة، وأحاجك إلى مليون حاجة، إذاً قهرك أن تكون مع أخيك الإنسان، أنت مفتقر إلى زوجة، أنت فضلاً عن ذلك مفتقر أن تعيش في مجتمع، أنت مُدرّس، طبيب، مهندس، لكن بحاجة إلى خياط، بحاجة إلى سبّاك، بحاجة إلى بلاط لبيتك، بحاجة إلى نجار، بحاجة إلى حداد، حاجات الإنسان لا تُعدّ ولا تحصى، وكل حاجة خبرات متراكمة، وتطورات، وصناعات، أي بعض الحِرف يقول لك: بذرة هجين F1، الخبرات المتراكمة من خلال تطوير هذه البذرة وتهجينها عمرها مئة عام، فأنت تتقن حاجة واحدة أو حاجتين، مكنك الله من شيء أو شيئين، لكنك بحاجة ماسة إلى مليون شيء.
إذاً الله عز وجل جعلك مفتقرًا إلى زوجة، وجعل الأنثى مفتقرة إلى زوج، وجعلك مفتقراً إلى المجتمع، تشتري خبزًا، هناك مَن فلح الأرض، هناك مَن زرع القمح، هناك مَن اعتنى بالقمح، مَن سمّد القمح، مَن سقى القمح لأشهر عديدة، هناك مَن حصد القمح، هناك مَن درس القمح، هناك مَن طحن القمح، هناك مَن خبز العجين، هناك مَن قدم لك الخبز، أنت مُدرِّس، أما هذا الرغيف اشتغل به آلاف الأشخاص حتى وصل إليك، إذاً شأن الخلق أنهم مفتقرون إلى بعضهم بعضاً، لكن الله شأنه أنه واحد أحد، فرد صمد، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾ ، ﴿مَا اتَّخّذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَدًا﴾ .
الله تعالى أرادك أن تكون متفوقاً ومن القلة الذين عرفوا ربهم:
لكن الله سبحانه وتعالى أرادك أن تكون متفوقاً، أرادك أن تكون من النخبة، من القلة، من الذين عرفوا ربهم، من الذين استجابوا لربهم، لذلك قال تعالى:
﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾
هو وَتْر، لكن البشر شَفْع، أي الآن الآية دقيقة جداً، لا يمكن أن يلتقي فرد من بني البشر مع فرد آخر إلا بإذن الله، لا يسمح الله للدواء أن يؤثر في الإنسان إلا بإذن الله، لا يسمح لهذا العقرب أن تلدغ إنسانًا إلا بإذن الله،
(( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. ))
[ السلسلة الصحيحة: خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن رجاله ثقات: أخرجه أحمد
]
على الإنسان أن يكون متميزاً بأخلاقه وعطائه:
الآن قال تعالى:
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)﴾
أي كلمة الشفع واسعة جداً جداً، أنت بحاجة إلى الطعام، وعلامة بشريتك أنك مفتقر إليه، وعلامة بشريتك أنك مفتقر إلى ثمنه، لذلك الأنبياء: ﴿لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ﴾ مفتقرون في وجودهم إلى الطعام، بل مفتقرون إلى ثمن الطعام، لذلك يمشون في الأسواق.
أيها الإخوة؛ شأن الخلق أنهم شفع، وشأن الله أنه وتر، ﴿وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ الكون ما سوى الله، السماوات والأرض ما سوى الله، شأن الله أن يكون فرداً واحداً، أحداً وتراً، وشأن الخلق أن يكونوا شفعاً، لكن المعنى: ((وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ)) أي كن متميزاً بأخلاقك، كن متميزاً بخبرتك، كن متميزاً بعطائك، كن متميزاً بالأثر الذي ينبغي أن تتركه، تذهب إلى أطراف الصين هناك مساجد، هناك مسلمون، تذهب إلى أطراف الغرب، إلى المغرب، إلى موريتانيا، إلى غينيا، مسلمون، أثر من؟ أثر هذا النبي العظيم، ((وَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ)) .
شأن العباد الافتقار إلى الآخر:
لا تكن رقماً سهلاً، أي إنسان إذا بدّل قناعاته برقم للمال انتهى، أي إنسان يتشدد، فإذا أغريته بمبلغ من المال وافق، انتهى، هذا له ثمن، قَلّ أو كَثُر، أما المؤمن رقم صعب، لا يساوم، ولا يبيع مبادئه، والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، فلذلك الله عز وجل ذكّرنا بأننا مفتقرون إلى بعضنا بعضاً، الحد الأدنى إلى زوجة، والحد الأدنى الأنثى مفتقرة إلى زوج، الحد الأدنى، والحد الأوسع أنت مفتقر إلى مجموع، ملايين مملينة، أي كم إنساناً بالأرض يعيش على الحر؟ أو على البرد؟ أو على طول الشعر؟ أو على الجهل؟ الذين يُعَلّمون، أو على المرض؟ الله جعل معايش، أي جعلك مفتقراً إلى الآخر، هذا شأن العباد، لكنه في الوقت نفسه أراد أن تكون متميزاً متفوقاً، لذلك: ﴿وَالْفَجْر*وَلَيَالٍ عَشْرٍ*وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ﴾ الشفع هم الخلق، لأنهم مفتقرون إلى بعضهم بعضاً، والوتر هو الله، يحتاجه كل شيء في كل شيء.
هذه أسماء الله الحسنى، من حفِظها دخل الجنة، أي عرف أبعادها، فهم مضامينها، وبعد ذلك تخلّق بأخلاق رضية مشتقة من كمالات الله، وبعد ذلك قلد هذا الخالق في معاملته للخلق، لذلك من حفظها دخل الجنة.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
الملف مدقق